نبحر معاً... في سماء الكلمة والخبر..

كانت أيدي “مغـــول” الماضي مطلقة…؟!

بقلم د. صدقه بن يحي فاضل

انً طبيعة العلاقات الدولية الحالية أفضل بكثير– من النواحي الموضوعية والإنسانية- مما كانت عليه في الماضي. فإذا كان “قانون الغاب” مازال يسود فيها، حتى الآن، فان قوانين “الشرعية الدولية”- ممثلة في المعاهدات والمواثيق والاتفاقيات والمنظمات الدولية المتنوعة- تخفف (كثيرا) من هذه “الغابية”. ونعتقد أن هذه “الغابية” (إن صح التعبير) تتناقص – وان ببطء – مع التقدم الحضاري الذي يخطوه الإنسان. وعلى سبيل المثال، لاحظنا: كيف أن الحكومة الأمريكية، بزعامة الرئيس السابق بوش الابن، لم تتمــكن من شن هجومها على العراق إلا بشق الأنفس. وظلت تحت ضغط عالمي كبير، ومتزايد، للانسحاب من العراق، والتكفير عن غزوه واحتلاله وتدميره.
ونضرب مثلا آخر، يوضح هذه النقطة، ربما بشكل أعمق، وهو ما حصل من “المغول” في القرن الثاني عشر الميلادي من دمار وحشي وجرائم همجية… يشيب من هولها الولدان، وتقشعر أقسى الأبدان، واكتوت بناره أمم وشعوب عدة. وللتذكير بأولئك ـ “المغول”… نقول: أن أصلهم يعود إلى بلاد منغوليا، شمال شرق آسيا …. حيث نشأت في هذه الهضبة قبائل شرسة …. الفت شظف العيش، والترحال. وبدأت منذ القرن السادس الهجري (الثاني عشر الميلادي) في اجتياح وغزو البلاد التي حولها … حتى امتدت سيطرتها من شرق آسيا والصين إلى شرق البحر الأبيض المتوسط. وقد أصبح المغول قوة كاسحة، بعد توحدهم بزعامة “تيمو جين”، الشهير بـ “حاكم الحكام”، أو “جنكيز خان”، سنة 603هـ – 1206م. وبدا هذا القائد الزحف المغولي غربا على البلاد العربية والإسلامية منذ سنة 617هـ، وهو الزحف الذي اعمل في مدنها الزاهرة بخاصة، قتلا ونهبا وتدميرا وحشيا، لم تشهد العصور الوسطى مثيلا لهوله.
وقام المغول بقيادة “هولاكو”- حفيد جنكيز خان – بتجديد الاغارات المغولية على البلاد الإسلامية، فاستولوا على بلاد فارس، واتجهوا غربا نحو العراق. حيث هجم “هولاكو” على بغداد، وحاصرها حصارا خانقا، ودك اسورها. وبعد أن اشتد الأمر، خرج “الخليفة” العباسي المستعصم مستسلما، لمقابلة هولاكو، و”التفاهم” معه لوقف سفك الدماء، ومسلما إياه مدينة بغداد. فأمر هولاكو بإخلاء المدينة من المحاربين وحملة السلاح. وبعد ما خلت بغداد من المدافعين عنها، أمر هولاكو جنده بتدمير المدينة، وقتل كل أهلها، وقتل الخليفة المستعصم؟! وعاث المغول في ارض الرافدين قتلا وتدميرا وإحراقا، حتى احمر نهر دجلة من دماء سكان بغداد العزل، واسود جزءا من النهر من حبر الكتب القيمة الكثيرة التي ألقيت فيه…. ونهبوا كل ثمين فيها، وأزالوا – بذلك – “الخلافة” العباسية، سنة 656هـ ، 1258م.

ومر ذلك العدوان البالغ الوحشية والبشاعة، في ذلك العصر، كحدث ” عادى” – رغم الإقرار بفظاعته، من قبل من عاصروه، وأرخوا له. ويشبه بعض المحللين السياسيين الحاليين أي طاغية شرس بـ “هولاكو” المغولي …. لوجود أوجه شبه. ولكن، هل كان على الثاني – هولاكو – ولو عشر “القيود”- القانونية والمعنوية والعالمية- التي تمارس على الطغــــاة الحاليين؟!!
كان “هولاكو” في حل … ليفعل ما يشاء، وما تمكنه قدراته على فعله، دون حسيب أو رقيب، أو حتى قدر من الشجب و”الاستنكار”…. بينما نرى ما يعانيه طغاة الحاضر من ضغوط “دولية” شتى، عندما يبطشون بالناس. قد يكون هناك تشابه في النفسية العدوانية المتغطرسة، بين هولاكو وطغاة اليوم. ولكن “الظروف” التي مارس فيها كل منهما شوفينيته تختلف – ولا شك. هي الآن أكثر تأثيرا في إدانة العدوان، وشجبه، بل والعمل على وقفه (ما أمكن) مما كانت عليه في عهد هولاكو، وما قبله…. الذي كانت الظروف فيه تسمح – له ولغيره – بعمل كل ما يريد عمله، وما تمكنه امكاناته على عمله. وتعتبر ذلك ممارسة عادية، وحق “طبيعي” وعادي للقوة الغاشمة ….

****
إن التأمل الموضوعي في الواقع الدولي الحاضر، وفى الأمثلة انفة الذكر، يؤكد – بالقطع – صحة ما ذكر هنا، في هذا الشأن. وقد يدعو ذلك الى شيء من التفاؤل. كما يحض أيضا إلى: محاولة فهم العالم، والعلاقات بين دوله، بعمق أكثر … واستخلاص “أفضل” سبل جعل هذا العالم ينعم بالأمن والطمأنينة والسلام والازدهار….بدلا من الاضطراب والحروب والدمار… ويقود أيضا – وبالضرورة – إلى طرق أبواب الفكر السياسي العالمي …. لمعرفة هذه السبل…. التي يقترحها فلاسفة ومفكرو السياسة العالميين، بدءا من الفيلسوف الصيني “كونفوشيوس”، وحتى فلاسفة وعلماء اليوم. ومن يقرأ لبعض هؤلاء، سيتفتح ذهنه على الكثير من حقائق هذه الحياة الدنيا الدولية، وعلى سلوكيات إنسانها العجيب (الجماعية) الدولية، تجاه غيره من بني جنسه.
***********************************

Print Friendly, PDF & Email
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.