نبحر معاً... في سماء الكلمة والخبر..

العلاقات الدولية : السياسة عبر الحدود …؟!

بقلم د . صدقه يحيى فاضـــــل

المقصود بـ “العلاقات الدولية” (International Relations)، هو: العلاقات المختلفة بين دول العالم، وخاصة في جانبها السياسي. ومعروف، أن الدول ترتبط ببعضها ــ وخاصة في الوقت الحالي ــ بعلاقات وثيقة ومتعددة ومتشعبة الجوانب. بحيث يمكن القول: إن معظم دول العالم ترتبط ببعضها بعلاقات، في كل أو بعض مجالات الحياة. ويندر أن توجد دولتان الآن، ليس بينهما أية علاقة بالمرة.
ولعل أهم ما يميز العلاقات الدولية، حتى الان، هو سيادة عنصر “الفوضى” (Anarchy) في معظمها… أي: عدم وجود جهة عليا (أو سلطة حاكمة) تتولى عملية التوزيع السلطوي للقيم في مجتمع الدول، تعترف لها الدول بهذا الحق. أو بمعنى آخر، عدم وجود حكومة عالمية (متفق عليها، ومعترف لها بالحق في الحكم)، تضع القوانين، وتشرف على تنفيذها، والعمل على إلزام الدول بها، ثم المقاضاة بشأنها، ومعاقبة من يخالفها. ونتيجة لسيادة هذا العنصر في العلاقات بين الدول، أصبح قانون: القول الفصل لصاحب الإمكانات الأكبر والأقوى ( قانون الغاب، صراحة) هو السائد … حيث نجد أن القوي من الدول غالباً ما يستطيع فرض إرادته، على الأضعف، عند تناقض واختلاف مصالح الطرفين.
وعلم العلاقات الدولية هو العلم الذي يختص بدراسة هذه العلاقات، دراسة علمية… تهدف إلى فهم ظاهرة العلاقات الدولية (تنظيرها)، كما هي كائنة. ومن ثم محاولة امتلاك القدرة (العلمية) على التأثير (الإيجابي والسلبي) في سير هذه العلاقات، بما يخدم، في النهاية أغراض المعنيين.
هذا، وهناك “سمات” كبرى أخرى … تتميز بها العلاقات الدولية، ومن أهم هذه الصفات كون العلاقات فيما بين أي دول تتأرجح دائما بين ظاهرتين متناقضتين هما: التعاون والصراع (الدوليين). وأيضا كون العلاقات الحالية فيما بين الدول تحكمها القوة والمصالح … الامر الذي يجعل البعض يجزم بأنه: لا توجد فيما بين الدول صداقات دائمة، أو عداوات دائمة، بل توجد مصالح دائمة. فصديق اليوم قد يصبح عدو الغد، وعدو اليوم قد يمسي صديق الغد، ان تغيرت المصالح، وهكذا. أي أن هذه العلاقات متغيرة دائما، مع مرور الزمن.
وفي الواقع، هناك سمات عدة، تتسم بها العلاقات الدولية. ولكننا هنا نسلط الضوء على أبرز هذه السمات. ومن ذلك تشابه “العلاقات الدولية” الكبير مع “العلاقات فيما بين الافراد”. فالإنسان يتجسد في هيئة: حكومة، حزب، تنظيم، جماعة، منظمة… الخ. وفي نهاية الامر، فان الدول بساستها… وهم أفراد، يتصرفون، غالبا، كما يتصرف البشر. هناك تشابه كبير جدا فيما بين العلاقات بين الافراد (أقارب، معارف…الخ) والعلاقات فيما بين الدول (ممثلة بحكوماتها).
****
ولا شك، أن ظاهرة العلاقات الدولية هي من أهم الظواهر الإنسانية ـ الاجتماعية، إن لم تكن أهمها. فتطور العلاقات الدولية، في وقت معين، وبين أطراف معينين، يمكن أن يؤدي إلى تدعيم رفاه الإنسان، وتدعيم بقاءه، على هذه البسيطة… ويمكن أن يؤدي إلى العكس… أي يمكن أن تتطور العلاقات الدولية، بين دول ما معينة، بما يؤدي ــ بعد مشيئة الله ــ إلى إتعاس كل البشر، أو بعضهم، وتهديد بقاء البشرية، والتسبب في هلاكها، خاصة في عصر أسلحة الدمار الشامل الرهيبة، ويمكن أن يتسبب في حصول العكس.
ومن خطورة وأهمية ظاهرة العلاقات الدولية يستمد علم العلاقات الدولية أهميته الكبيرة، لرفاه الإنسان، بل وبقاءه، في أحيان كثيرة، كما ألمحنا. الأمر الذي جعل مسألة تدعيم هذا العلم وتطويره، شيئاً في غاية الأهمية. فبذلت جهودا علمية خارقة، لرفع مستوى “علمية” وأبحاث هذا العلم وتطويره، بما يجعل القدرة العلمية والعملية، في التأثير على سير العلاقات الدولية (سلباً وإيجاباً) أكثر فاعلية وفائدة، ويمكن من امتلاك امكانية تشكيل هذه العلاقات وتعديل مسارها، عند الحاجة.
ورغم أن هذا العلم قد وصل إلى درجة عالية (نسبياً) من “العلمية” والدقة، إلا أنه مازال يحبو… بسبب طبيعة ظاهرة العلاقات الدولية… وصعوبة إخضاعها للدراسة العلمية المتجردة. وينعكس وضع علم العلاقات الدولية هذا، في استمرار كون معظم “نظرياته”، وأدواته العلمية الاخرى، عبارة عن “افتراضات”، أو أطر تحليلية عامة، لم يتحدد، حتى الآن، مدى صحتها، بشكل قاطع وتام ودائم… أو نظريات عامة… توضح حصول احتمالات عامة معينة، حال توفر شروط معينة…
*********************************************

Print Friendly, PDF & Email
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.