يمكن تعريف “العلاقات البينية الخليجية” بأنها: العلاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والامنية، بجوانبها المختلفة، التي تربط فيما بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية (الإمارات، البحرين، السعودية، عمان، قطر، الكويت) …. أي: علاقات كل من هذه الدول الست– بهذا المعنى-بغيرها من الدول الخمس الأخرى. لقد أدت أحداث وتطورات، ودوافع متصاعدة الخطورة، إلى قيام ما يمكن أن نسميه بـ “السياسة التعاونية الخليجية”، والتي يمكن تعريفها بأنها: سياسات التقارب والتعاون التي أخذت الدول الست المذكورة تنتهجها تجاه بعضها البعض، منذ سنة 1971م (تاريخ استقلال البحرين وقطر والإمارات) حتى الآن (2021م) والتي تمخضت (في عام 1981م) عن قيام “مجلس التعاون لدول الخليج العربية”، كانعكاس لتلك السياسات، وتدعيماً وتجسيداً لها.
ولنستذكر أن أهم ما دفع لنشوء هذه السياسات التعاونية هو: –
1. نجاح الثورة الإيرانية في الإطاحة بشاه إيران، وقيام “الجمهورية الاسلامية الإيرانية” (عام 1979م) واتخاذ هذه الجمهورية سياسات عدائية نحو دول المجلس.
2. تزايد الصراع الدولي والمناورات حول منطقة الخليج.
3. نشوب الحرب العراقية – الإيرانية (1979-1988م) وتهديدها لدول الجوار.
4. التدخل العسكري للاتحاد السوفيتي السابق في أفغانستان.
5. تصاعد التوتر في المنطقة من جراء الاعتداءات الصهيونية على الأمة العربية.
**
ولعل أهم تطورات هذه السياسة (التعاونية) منذ قيامها، يمكن إيجازه فيما يلي: –
(1) – قيام عدة هيئات (منظمات) مختلفة، للانصهار في عدة جوانب، في المجالين الاقتصادي والاجتماعي، اعتبارا من بداية السبعينات.
(2) – قيام “مجلس التعاون”، في مايو سنة 1981م.
(3) – إبرام “الاتفاقية الاقتصادية الموحدة”، في 11/11/1981م، وفي إطار مجلس التعاون.
(4) – إنشاء قوات خليجية موحدة (قوات “درع الجزيرة”) وتجميعها ابتداء من سنة 1985م، وفي إطار مجلس التعاون أيضاً.
(5) -التضامن فيما بين دول مجلس التعاون من ناحية، وبين هذه الدول وقوى المجتمع الدولي من ناحية أخرى، لتحرير الكويت من الاجتياح العراقي، الذي وقع يوم 2/8/1990م.
هذا، إضافة إلى تصاعد الترابط البيني، منعكساً في: تزايد الصلات البينية – الخليجية، وتزايد درجة وثوقها وتلاحمها، نسبة إلى الفترة السابقة على قيام “السياسة التعاونية الخليجية”، عام 1971م.
**
غير أن جانباً كبيراً من هذه العلاقات الخليجية البينية بدأ يشهد فتوراً متواصلاً …. خاصة عقب انتهاء حرب الخليج الثانية، عام 1991م. إذ شاهدنا برودا في هذه العلاقات، وبخاصة فيما بين:
– قطر والبحرين (قضية حوار).
– السعودية وقطر (حول عدة قضايا سياسية وإعلامية معروفة).
– قطر والكويت: حول عدة قضايا إعلامية وسياسات.
كما شهدت العلاقات الإماراتية – العمانية شيئاً من الجمود، ثم عاد الانفراج … حول بعض القضايا الحدودية. وشهد الواقع أيضاً تحسناً في بعض العلاقات البينية – الخليجية (السعودية والبحرين، على سبيل المثال).
**
وفي يوم 5/6/2017م، قررت ثلاث دول خليجية (السعودية، الامارات، البحرين، ومعهم مصر) قطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر، ومقاطعتها. وأعقب ذلك تراجعاً مدويا في زخم السياسة التعاونية الخليجية، وجموداً نسبياً لنشاط مجلس التعاون الخليجي. اضافة الى وقوع تدهور ملحوظ في معظم العلاقات البينية، فيما بين بعض دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية. وبالطبع، فان أكثر العلاقات التي تأثرت من هذه الاجراءات هي علاقات قطر مع الدول الخليجية الثلاث المقاطعة.
**
كان هذا الشرخ صارخا، ومؤلما لجميع المعنيين. وكاد يطيح بكل السياسة التعاونية الخليجية، وبمجلسها التعاوني. وتوقع المراقبون انهيارا مؤكدا لهذه السياسات “التعاونية”. غير أن طبيعة العلاقات الازلية فيما بين شعوب وحكومات هذه الدول، سرعان ما ضغطت لإعادة المياه الى مجاريها، والامور الى نصابها… فكانت المصالحة التي جعلت ما حصل مجرد سحابة صيف عابرة، وتوجت قمة “العلا” الخليجية، التي عقدت بمدينة العلا التاريخية المبهرة، يوم 5/1/2021م، هذه المصالحة الاخوية، بعد قطيعة مستغربة، كانت ضارة بالجميع. ولكن يمكن القول عنها الان بأنها: كانت ضارة نافعة. كانت ضارة وجارحة. ولكنها الان يمكن أن توصف بأنها نافعة … أي مفيدة لأخذ العبر منها، والحيلولة دون تكرارها، أو حدوث ما يشبهها.
فلا شك أن هناك رغبة شعبية خليجية عارمة وواضحة في استمرار ودعم السياسة التعاونية الخليجية. ورغم اختلاف “استجابة” الحكومات لهذه الرغبة، من دولة لأخرى، الا أن كل هذه الحكومات تحاول أن تستجيب لهذا التطلع الشعبي، وتحاول تلبية هذه الرغبة، أو تلبية شيء منها – على الأقل.
كان يوم 5 يناير2021م يوما تاريخيا في حياة العرب، بصفة عامة، والخليجيين بصفة خاصة. ففي هذا اليوم تم الصلح، وعادت المياه الى مجاريها، والعلاقات بين الاخوة الى صفائها، وأصلها وأساسها، الذي هو الاخوة والمحبة والتضامن، خدمة للمصالح المشتركة، ودرئا للمخاطر المشتركة. تم رأب الصدع، أو البدء في رأبه، وعودة الوئام والود، وعودة الحرارة الى مجلس التعاون الخليجي، الذي ما زال محط امال قادة وشعوب الدول الست الاعضاء فيه، والتي ترتبط ببعضها بأوثق الروابط. فلا توجد مجموعة من الدول، في الوقت الحاضر، يربط فيما بينها كل روابط: العرق، اللغة، الدين، الجوار، التاريخ، التقاليد. اضافة الى المصالح المشتركة، والاخطار المشتركة، التي تحيط بها كلها، وتستهدفها كلها.
والمملكة العربية السعودية، وهي الشقيقة الكبرى لهذه الدول، تحرص كل الحرص على أن تكون العلاقات فيما بين هذه الدول على ما يرام، متسمة بالقوة والصلابة والديمومة، في إطار مجلس التعاون الخليجي. وهذا ما أكده سمو الامير محمد بن سلمان، ولي العهد ونائب رئيس مجلس الوزراء، ووزير الدفاع السعودي، في الكلمة الافتتاحية التي القاها سموه في قمة العلا.
**
ويبدو أن المبادئ التي أعلنت في مؤتمر القاهرة، الذي عقدته الدول الاربع (مصر، السعودية، الامارات، البحرين) بشأن الازمة الخليجية هذه، هي “أساس” هذا التصالح. وهي مبادئ قيمة، ويضمن الالتزام بها مصلحة جميع المعنيين. وفى مقدمة هذه المبادئ: عدم التدخل في الشؤن الداخلية للدول الاعضاء بمجلس التعاون، والتضامن لمكافحة الارهاب، واتخاذ موقف خليجي موحد تجاه الحركات الارهابية، اضافة لوقف الحملات الاعلامية المسيئة، ومراعاة حسن الجوار. وهي مبادئ ينص عليها ميثاق الامم المتحدة، وبقية القوانين الدولية.
وحبذا لو يتم التأكيد على هذه المبادئ دائما، وأن يتم تفعيل “هيئة تسوية المنازعات” التابعة لمجلس التعاون الخليجي، والتي يكفل تطبيق نظامها حل الخلافات التي قد تنشأ مستقبلا فيما بين الدول الاعضاء.
**
عضو مجلس الشورى سابقا – أستاذ العلوم السياسية