نبحر معاً... في سماء الكلمة والخبر..

تباينات تربوية أسرية؟!

بقلم✍️ دلال راضي

من خلال تأملي لطبيعة العلاقة بين الأم والأب في محيطهما الأسري، وجدت أن هناك اختلافات وتباينات في طريقة معالجة كل منهما للمشاكل الأسرية، وخاصة مشاكل الأولاد، ففي حين يقوم الأب باستحضار مبادئ عامة يضعها كمقياس لمدى انحراف الأولاد عنها، ومن ثم المبالغة في تحديد حجم المشكلة وادعاء الصعوبة في معالجتها، بخلاف الأم تعمل على حل تلك المشاكل بطريقة أكثر وضوحاً وبساطة، وتحاول جاهدة الإنصات لأطراف المشكلة وتفهمها، وفي حين يملأ صراخ الأب المنزل عند حدوث أي مشكلة من قبل الأولاد نجد الأم تلتزم الصمت أكثر من أي شيء، مراهنة على عامل الوقت في إيضاح الرؤية عند برود أعصاب الأب وتغير طريقة تعاطيه مع ما حدث، فالأم تصرفها أقرب إلى التسليم بالأمر ومعالجته أولاً ومن ثم المحاسبة عليه لاحقاً، بينما نجد الأب يركز من البداية على المحاسبة متجاهلاً التوجه نحو الخروج من مأزق الإشكال الحاصل، أو يقوم بالأمرين في وقت واحد ما يسبب نوعاً من الإرباك الأسري، ولا يفضي إلى تفاهمات ورؤى متأنية تقود إلى إصدار أحكام واقعية وصحيحة، ووضع معالجات جذرية ودائمة، فالأم تدرك أكثر من الأب أن قيامها بإجراءات يثق بها الأولاد يولد لديهم قناعة تجاه تلك الإجراءات، الأمر الذي يدفعهم إلى اعتناق التعليمات والتوجيهات بصورة جادة ومسؤولة وليس مجرد إذعان مصطنع وآني بدافع الخلاص.

كما أنه في حين يستمر الأب باستخدام أسلوب محدد في التعامل مع كل المشكلات، فإن الأم تحاول اكتشاف أساليب جديدة تتماهى مع الواقع ومعطياته المتغيرة من جيل لآخر، من جانب آخر ربما يكون الأب أكثر موضوعية من الأم كونه لا يقع في فخ العاطفة الذي تقع فيه الأم، فهي وإن استطاعت تجنبه نوعاً ما فإنها لا تسلم من تشويشات عاطفتها على قراراتها، والصواب أن أي تقارب موضوعي وتفاهم وانسجام في الرؤى بين الأب والأم تجاه المشاكل الأسرية قد يدعم وجود أسلوب راسخ وفعال في التعامل معها ومعالجتها، حيث يستطيع كل منهما استخدام تأثيره بطريقة تدعم تأثير الآخر، وتأخذ نفس وجهته، وإن تفاوتت قدرة كل منهما على التأثير.

إن الاعتراف الشجاع من أحد الزوجين بكفاءة الآخر في جانب ما من جوانب رعاية الأبناء وتربيتهم يعد من الأشياء المهمة التي تدعم تماسك الأسرة، وتشجع على مزيد من الاهتمام والإبداع التربوي والإداري فيها، كما أنه يدعم الشعور بالولاء والانتماء الأسري، أما التنافس على كسب ود الأبناء ولو بطرق غير تربوية فإنه يؤدي غالباً إلى التنافر بين الزوجين، وإلى مزيد من الانعزال والتحفظ في كثير من المواقف، ومن هنا نستنتج أن الحياة الأسرية ليست مجرد الاجتماع تحت سقف واحد، ولكن الأسرة مملكة تحتاج إلى إدارة واعية وتنسيق بين جميع أفرادها، مع وجود نوع من التخصص لكلا الأبوين، بالإضافة إلى صلاحيات كبيرة للأم عند غياب الأب أو انشغاله، الأمر الذي يضمن تماسك البناء الأخلاقي والتربوي للأسرة، كونها اللبنة الأولى في بناء المجتمع، والأسرة الناجحة والسعيدة تعني مجتمعاً ناجحاً وسعيداً.

قد يعتقد البعض أني منحازة نوعاً ما تجاه الأم في طرحي هذا، ولكنها في الحقيقة استنتاجات لم تأتِ من فراغ بل من خلال ملاحظات وتجارب عشتها أو شهدتها على الواقع ولسنوات عديدة، وهي ليست تجارب شخصية بقدر ما هي تجارب شاهدتها عن كثب في الوسط المحيط بي، لذلك لا أعمم استنتاجاتي على كل الآباء والأمهات، إنما أوثق ملاحظاتي في هذا الجانب، مع علمي بأنه قد يتفق أو يختلف معي الكثيرون حول ما طرحته، ولكن لا ضير في ذلك، فوجود الرأي والرأي الآخر ظاهرة صحية بغض النظر عن تقبل الرأي من عدمه.

Print Friendly, PDF & Email
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.