بقلم✍️ دلال راضي
الأشياء العظيمة لا تأتي إلا من أناسٍ عظماء، وهذه حقيقة لا ينكرها إلا جاهل أو متجاهل، فكم من أفكار بسيطة غدت مع الأيام مشاريع عملاقة، وكم من اجتهادات طموحة غدت بعزم وإصرار وإخلاص أصحابها منجزاتٍ يشار إليها بالبنان، وكم من أناس تركوا بصمات مشرقة على جبين أوطانهم فصاروا نجوماً لامعة في سماء تلك الأوطان، وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم.
قد تتعدد الأفكار والمبادرات والنشاطات والبرامج الثقافية والاجتماعية، لكن القليل منها فقط يستطيع كسر حاجز الرتابة وصنع واقعاً مغايراً يجذب انتباه الناس ويحفز تفاعلهم وينال إعجابهم بشكل يعزز من تفرده واستحقاقه لكل تبجيل وتقدير، ومن هذه البرامج الناجحة والمشرقة والمتفردة برنامج قافلة الشعر السعودي التي تنطلق حول العالم تقودها أكاديمية الشعر العربي وهيئة الأدب والنشر والترجمة وكل هذا بدعم وإشراف وزارة الثقافة بالمملكة احتفاءً بعام الشعر العربي، ومن عظمة المنبع تكون عظمة التدفق وصفاء المورد، فبرؤيةٍ وطنيةٍ مستنيرة، وبإشراق العقول التي فكرت، وإخلاص الأيدي التي نفذت ولد هذا البرنامج الثقافي الرائد ليكون معبراً عن ملامح وطن عظيم ينفض الغبار عن تراثه المشرق، ويستدعي مخزونه التاريخي والثقافي ليخرج ماضيه للعالم بحُلة حاضرهِ ورونق عصره.
إن القوافل الشعرية السعودية بحضورها العالمي لتختصر ملامح وطن عظيم بأبنائه، وتبرز قدرة الإنسان السعودي على الإبداع والعطاء والرقي والارتقاء، فمن خلال مشاركتي في القافلة السعودية المصرية التي أقيمت ندواتها الشعرية في عدة مدن مصرية، لاحظتُ تميزاً في الإعداد ودقة في التنظيم، ووجدت من عظيم الاحتفاء ما أثلج صدري وأشعرني بالفخر والاعتزاز بوطني وأبنائه، بالأخص منهم أولئك الأفذاذ الذين هم وراء كل ما لامست من جمال وتألق وإبداع وحضارة وحضور وحفاوة واحتفاء، الأمر الذي جعل حب الوطن يمتزج بروح الإبداع لتتقاطر القصائد كالحلم وينهمر الشعر سفيراً للوطن والحب والسلام.
وان برنامج القوافل الشعرية السعودية بما يحمل في مضمونه من أهدافٍ عظيمة يعد برنامجاً نوعياً من حيث الغاية والمحتوى والإعداد والتنظيم، وهو ما يعكس المستوى الحضاري لوطننا الحبيب ودرجة رقي القائمين عليه، فهذه المنجزات الإبداعية الكبيرة لا تولد إلا في مجتمع يتسم بمستوىً عالٍ من العلم والوعي والرقي، وضمن حاضنة اجتماعية وسياسية متطورة، تعرف قيمة الأدب وتعمل على الارتقاء به وتشجيع مبدعيه، والاعتناء بمخرجاته لتكون ناتجاً قومياً له أثره الإيجابي في تعزيز منظومة القيم الدينية والأخلاقية والإنسانية بشكل عام والقيم الوطنية بشكل خاص، وهذا ما جسدته رؤية 2030.
وخلاصة القول أن القوافل الشعرية السعودية تعد تجديداً عظيماً ارتقى بالشعر وفلسفته ووظيفته، فقد حررت الشعر من التقوقع في بيئة بذاتها، وقدمت إبداعاً عابراً للحدود.
واعادت إلى الأذهان حقيقة كون وطننا الحبيب هو منبع الشعر ومهده وبدايته وحكايته، وبالتالي فقد غدت جسوراً تمتن التواصل والترابط الثقافي بيننا أبناء الوطن الواحد، وبيننا وبين محيطنا العربي والعالمي بشكل عام، فالأدب والثقافة والفن منتجات فكرية لا تعرف الحدود، وتعد ملكاً للإنسانية ككل.