يدعو كثير من خبراء وعلماء السياسة الامريكيين ، وغير الامريكيين في بقية أرجاء العالم بحرارة، حكومة الولايات المتحدة لمراجعة وتطوير وتهذيب سياساتها الداخلية والخارجية، بما يخدم في نهاية الامر المصالح الامريكية الحقيقية، ومصلحة العالم ، وخاصة في مجالي الامن والسلم الدوليين. وهناك شبه اجماع بين هؤلاء على أن أغلب هذه السياسات والاستراتيجيات الامريكية تظل في أمس الحاجة للمراجعة والتطوير والتعديل. فليس من مصلحة أمريكا أن تستمر هذه السياسات على ما هي عليه، منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية سنة 1945م، وتتواصل كذلك، حتى نهاية “الحرب الباردة” (الامريكية – السوفيتية) عام 1991م .
ان أبرز ما تتسم به هذه السياسات هي كونها سياسات “أوليجاركية”، تسعى لخدمة جماعات مصالح (أمريكية) معينة، ودون اعتبار يذكر لمصلحة الشعب الأمريكي وللمصلحة العامة الامريكية، والمصلحة البشرية، التي يجب أن تتناسب مع مكانة الولايات المتحدة الدولية. وغنى عن القول تذكر أن هذه السياسات قد نجم عنها الكثير من الاوضاع السلبية الداخلية (تراجع ديمقراطية أمريكا، ازدياد الفقراء فقرا والاغنياء غنى، ارتفاع نسبة البطالة، على سبيل المثال لا الحصر) والخارجية (انحسار النفوذ الأمريكي حول العالم، تدنى سمعة وشعبية أمريكا … الخ).
ان المراقب المحايد (وحتى المحب) للسلوك السياسي الأمريكي، الداخلي والخارجي الى حد أكبر، يصدم من كون هذا السلوك منطلقا من هدف (خفي وغير معلن) هو : خدمة مصالح بعض جماعات الضغط أولا، وقبل كل شيء اخر.
لقد نتج عن هذا التوجه السياسي الأمريكي ما نتج من ماس وكوارث انسانية لا حصر لها، خاصة على المستويين العالمي والإقليمي. حروب متنوعة ومختلفة شنت هنا وهناك … معظمها لا معنى له، ولا هدف معقول، سوى ارضاء بعض الفئات المصلحية، مثل ملاك مصانع الاسلحة الامريكية، وتجار السلاح، واشباع غرور بعض الساسة الجامح. وهناك دعم مقيت لبعض “الباطل” وخرق حقوق الانسان في كثير من أنحاء العالم، ناهيك عن كون أمريكا المعارض الاول والأساسي لإصلاح وتطوير منظمة الامم المتحدة …؟!
****
تأسست الولايات المتحدة عام 1789م، أي قبل 234 عاما. وهناك احصائية تشير الى أن هذه الدولة قد قضت حوالي 93% من عمرها هذا ( 230 سنة) وهي تخوض حروبا متنوعة، منها حوالى 90 حربا عسكريا (أغلبها بالتعاون مع “وكلاء” محليين) ضد دول وجماعات خارج حدودها، بدءا من حربها ضد نيكاراجوا عام 1833م، وحتى حروبها في سوريا والعراق وأفغانستان، وغيرهم .
إنتهت الحرب العالمية الثانية بعيد قصف نووي لمدينتي هيروشيما وناجازاكي اليابانيتين، بقنبلتين ذريتين أمريكيتين. فقد حوالي 220 ألف شخص حياتهم نتيجة لإلقاء هاتين القنبلتين. أكثر من 100 ألف شخص قتلوا خلال القصف مباشرةً، والبقية فقدوا حياتهم في أواخر عام 1945م، نتيجة للإشعاعات النووية الضارة التي أُصيبوا بها. ومنذ انتهاء تلك الحرب، وخروج الولايات المتحدة منتصرة، عسكريا وسياسيا، وظهورها كدولة عظمى، أمسى جنرالات الحرب الامريكيين منتشين جدا بهذا النصر، وبدأوا يدفعون لشن حروب عسكرية عدة، املين تحقيق انتصارات سهلة فيها. ولكن النتائج النهائية لمعظم هذه الحروب اتت مخيبة لأمال هؤلاء العسكر (ومن تعشم النصر فيهم) الذين مازالوا يديرون أفضل وأقوى جيش في العالم …؟!
شنت الولايات المتحدة حروبا اقليمية عدة. اذ خاض جيشها 41 حربا في 28 دولة، منذ العام 1945م، حتى الان. ومعظم هذه الحروب انتهت بكوارث ألحقت بالبلاد التي شنت عليها وفيها، وعادت على أميركا نفسها بشيء من الخسران . وقديما قيل : “لا منتصر في الحروب” … للدلالة على ما ينجم عن الحروب من ماس لكل أطرافها. الامر الذي يجعل من الدفع بالتي هي أحسن (سلما) هو الخيار المنطقي والافضل في حالة تسوية الخلافات والصراعات، سواء الدولية أو الشخصية. وهذا القول تثبته هذه الحروب الامريكية بقوة.
****
وعندما نتوقف عند “حروب” الولايات المتحدة هذه التي خاضتها منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، سرعان ما سنرى أن التحليل الموضوعي المحايد لهذه الحروب البشعة، وما نجم عنها من ويلات، يكشف سوء كثير من السياسات الخارجية الامريكية، وتخبطها، وعدم اكتراثها بالقيم الانسانية التي يقدرها البشر في كل مكان . صحيح، لقد نتج عن بعض هذه الحروب رسوخ قوة أمريكا العالمية، واكتسابها قدر من الهيبة. ولكن نتائج ما بعد معظم هذه الحروب كانت وبالا على أمريكا، وعلى البلاد التي تدخلت فيها. ولم تستقر تلك البلاد الا بعد أن رفعت أميركا يدها الغليظة عنها.
كما أن هناك حروبا شنت لأسباب هلامية، ومبررات مكذوبة، ونجم عنها تدمير البلاد المستهدفة، وقتل وتشريد أعداد كبيرة من شعوبها، دون هدف إيجابي بناء أسفرت عنه. حتى “فوضتهم الخلاقة” كانت فوضى مدمرة. وسنلقى، في المقال القادم، بعض الضوء على هذه الحروب التي تمثل جزئية بشعة من سياسات أميركا الخارجية، كم يتطلع محبي السلام في العالم لوقفها. ومن ثم لعب أمريكا، كدولة عظمى قادرة، الدور الإيجابي المفترض منها، لدعم السلم والاستقرار العالميين.
***********************************
